السبت، 26 سبتمبر 2015

حظ العمايا

#حظ_العمايا
.
بينما العبدلله جالس في كرسيه البلاستيكي تحت ظل شجرة النيمة في (حوش) منزله (الجالوصي) الصغير، و يتصفح أخبار (الدار) المهولة ،
جاءت زوجته وهي تتأبط شرآ و (تقدل) في مشيها، و قالت له بصوت جهور: "قوم جيب سلطة من المحطة للغدا و هاك العشرة دي جيب لي كسره و دكوة "
و عادت إلى وكرها المطبخ ولم تنتظر منه المشاوره،
نهض العبدلله و لبس (عراقيو المقدد) و (سفنجتو الخدرا) و همهم لاعناً، و توجه نحو المحطة.
.
كانت المحطة عبارة عن سوق صغير تجد به كل ما تحتاج، من مخبز و ملحمة و بقالة و خضروات و مكتبة و (نقلتي) و... الخ،
اخذ العبدلله حوجته من الخضار و توجه نحو (ست الكسره) التي تجلس في الطرف الآخر من المحطة،
في طريقه الي هنالك لفت انتباهه حشد من الناس يجتمعون حول شئ ما، لا يعلم ما هو و لكن يبدو انه امر جلل، ساقته قدماه دون أن يشعر، فالفضول و (الشمار) غريزة تعمل تلقائياً  لمعرفة الاحداث،
شق طريقة وهو يتخطى الماره و (يتاوك) من بعيد، حتي وصل و سأل أحدهم ً: " سلام عليكم بالله الحاصل شنو؟  ان شاءالله خير!
أجابه الشخص و البسمة تعلو وجهه : " يازول ده الخير زاااااتو! "
قاطعه العبدلله:" ورونا الخير ده شنو!"
اجابه الشخص بكل ثقة :" التقديم للوتري فتح!  وهسه بنقدم! "
العبدلله:" ها زول ها! و طيب كان داير اقدم اعمل شنو؟ "
الشخص: "ولاشي تتصور صورة ليلت اللوتري و دي عارفها بتاع اللستيديو و تجي للولد ده بعرف كويس في شغلانيه الكمبيوتر بقدم ليك بس تديو الصورة في زاكرة عشان يملا ليك الاستمارة".
سحبه العبدلله نحوه بكل هدوء و بصوت خافت قال : "معليش لكن بتكلف كم الشغلانيه دي؟ "
الشخص:" عشرين جنيه عشرة حقت الصور و عشرة للولد بتاع الاستمارة ده و بعداك تتابع الرد.. "
.
العبدلله توكل فوراً صوب الإستيديو ،  و طلب من صاحب الإستيديو أن يصوره صورة اللوتري،  فرفض المصور بحجة أنه لا يرتدي الزي المناسب و (مبشتن) ،
خرج العبدلله غضباً و قام بطلب قميص من أحدهم بعد أن أخبره بما يجري ، عاد مجدداً و تصور، و أخذ الصور في ذاكرة جواله و ذهب إلى الفتى و قدم له كل البيانات و الصور،
و عندما حان وقت الدفع،  وجد أنه لا يملك سوى تلك العشرة التي أعطته إياها زوجته، و لو عاد اليها خاوي اليدين سيسمع ما لا يعجبه و يجعله في مزاج سئ حتي بقية الشهر ! 
توكل العبدلله و دفع المبلغ بعد ان تأكد من صحة البيانات و عاد الي المنزل حالماً ،
اخبر زوجته بما حصل،
و كالمعتاد سمع منها (نقة كتيره)،
و لم تذق عيناه طعم النوم في تلك الليلة .
.
مرت الايام و كان العبدلله يتابع نتيجة التقديم، حتي ذلك اليوم عندما ذهب للفتي وجد الجميع (مصبوبين) هنالك،
يبدو أن الرد قد وصل،  و عندما اقترب  بدأ صاحب الكمبيوتر بفتح رسالة الرد و قرائتها للجميع ، فهؤلاء البائسون من الحياة لم يكن لديهم الوقت لهذه التكنولوجيا،
تسلل العبدلله بين الحشد حتي احتل مكان جيد يسمع منه بوضوح،
لم يكن العبدلله متوتر كالبقية و لم يعر ذلك اهتماماً  بقدر ما يهتم هؤلاء لانها المرة الاولى التي يقدم فيها،  حيث كان البقية قد قدموا مراراً وتكراراً،
بينما يتحدث الفتى بصوت عالي ليتأكد من سماع الجميع لصوته،
سمع العبدلله إسمه !
أصابه الذهول!
و تسمر جسده في مكانه!
هل يعقل أن يكون هو صاحب اللوتري؟!
راودته في تلك اللحظة آللاف الاسئلة!
حتي نكزه الشخص الذي يقف بجانبه و كرر الفتى الاسم مجدداً،
نعم!
وقع الاختيار عليه!
لقد حصل على اللوتري!
إبتسم له الحظ اخيراً (حظ العمايا) في وجهه العابس!
ورجع إلى منزله وهو يكاد لا يصدق،
بل لا يصدق! 
يكاد يطير من الفرح!
و (يتبسم براو و البسمة لاخر ضرس)
ليزف الخبر لزوجته و تقرصه و ترجعه الي الواقع و لكن لم يكن ذلك ابداً حلماً .
.
عدت الأيام و الأشهر، الصيف تلو الخريف تلو الشتاء،
و هاجر العبدلله الي الولايات المتحدة الأمريكية برفقة زوجته، و تحصل على وظيفة مرموقة،
و هو الأن يجلس على كرسيه الخشبي المتأرجح في شرفة منزله الخشبي في ولاية تكساس،
و يقرأ كتاباً لماركيز في إطلالة جميلة لحديقته الصغيرة المخضرة و المليئة بالأزهار التي يداعبها نسيم الربيع،
بينما تعد له زوجته كوب من القهوة الدافئة و تحضر كرات اللحم و البطاطا المقلية و القليل من الحلوى للعشاء.
.
تمت.
.
.
محمد طارق | زول درويش.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق