#الغاز_قطع!
.
كعادته كل يوم خميس، يعود إلى المنزل مرهق من يوم طويل ينال قسط من الراحة، ليخرج بالمساء مع أصدقائه، فور وصوله إلى المنزل توجه إلى غرفته و إرتمى علي سريره من شدة التعب و هول المعاناة التي خاضها للحصول على مقعد مهترئ في حافلة متهالكة كي يصل إلى منزله.
أغمض عيناه دون أن يشعر، ترك السرير يحتضنه، يغمره بالدفء ينقله الي كوكب الراحة، يحرك يديه يتحسس برودة اللحاف، تنفس الصعداء، هاجت كل حبيبات الدم في جسده و ثارت في عروقه، كثوار ضاقت بهم المعيشة فنفثوا نار الغبن علي الحُكام، شعر بنبضات قلبة تطرق كل أعضاء جسده المرهق ، و تنخفض رويداً حتى تصل إلى وضعها الطبيعي و يلفها الصمت،
لم يكلف نفسه عناء تغير ملابسه فهو الأن في أوج التعب،
كانت المروحة تمارس لعبتها تتحرك و تدور كساحرة تردد تعويذات أمام أحد ضحاياها تحرك قلادة في يديها يمنة و يسارا حتي ينام مغنطيسياً دون أن يشعر.
.
عند الرمقة الأخيرة، كانت والدته تقف أمامه بجسدها النحيل و ظهرها المنحني، تضع يديها علي خصرها، و تربط رأسها بما يبدو شال قطني، تنبعث منها رائحة الثوم الذي يمكنه برائحته النفاثه أن يخرج شخص من غيبوبة كاملة، أن يعيد الوعي لسكير أكمل لتوه قنينة كاملة من النبيذ الأحمر المعتق، دخلت الرائحة الي أنفه دون إستئذان، فترفعه منها، كمصارع محترف أدخل أصابعه في انف مصارع أخر يتعارك معه ليرفع رأسه الي أعلى،
ياترى ماذا تريد والدته منه في هذا الوقت؟!
ألا تعلم انه لا يحبذ أن يوقظه أحد؟!
تركت والدته الكلمات تخرج من فمها لتصيب طبلة أذنه!
"الغاز قطع قوم شيل الانبوبه وغيرها،، قطع لي في نص الطبيخ قوم سريع عشان نخت ليكم الغدا "!!
لم يعلم ما حل به و لكن تلك الكلمات كانت أسوأ من خبر وفاة أحدهم!
يا رباه!!
وضع يديه فوق رأسه، صمت طويلاً، فلا توجد كلمات توصف ما يشعر به الآن،
مر أمامه شريط سريع لتلك الصفوف التي ليست لها أول ولا أخر !
الشمس المنتصبة أعلى الرؤس!
تمارس أشعتها السيطرة على كل شيء!
النساء و الرجال! الصغار و الشباب و الكبار!
كلٍ يحمل علي كتفه أنبوبة فارغة أو يركلها بقدمه لتّدحرج فوق الارض!
الميادين العامة المعبئة بالبشر و أنابيب الغاز المختلفة الالوان!
كل ذلك يشي بيوم كارثي!
وربما لن يتحصل علي أنبوبة!
لا شيء متوقع!
لن يخرج مع أصدقائه كما اتفقوا!
و ستكون جمعتة في نقل أنبوبته كل خمس دقائق خمس سنتيمترات!
ربما يستمر الوضع أيام!
الوضع يبدو مثله كمثل الجهاد، فالجنود يحاربون من أجل حماية الوطن و ردع الغزاة و حماية الدين!
و نحن الأن نحارب من أجل بطوننا الخاوية !
لعّن كل من له يد خلف هذا الوضع !
.
.
بعد ساعة أستيقظ ليجد أخاه الصغير أمام ناظره وهو يقول له "قوم ختو الفطور! "
لم يصدق! يا له من كابوس مرعب!
إستعاذ من الشيطان و توضأ و صلى ركعتين شكر!
و ذهب لتناول وجبة الغداء مع أسرته و أكل كما لم يأكل من قبل!
وقالت والدته " قبيل الغاز قطع لي لكن الحمدلله عندنا انبوبة تانية ركبتها "
تبسم لها و خرج يكمل يومه بكل بهجة .
.
تمت.
.
.
محمد طارق | زول درويش.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق